التدخين والصحة النفسية

التدخين والصحة النفسية

د. صالح المهدي الحويج

هل هناك علاقة بين التدخين وتمتع الفرد بالصحة النفسية ؟ وبمعنى آخر هل الشخص المدخن يتمتع بالصحة النفسية الكاملة ؟ أم أن هناك قصوراً في بعض مظاهر الصحة النفسية لديه ؟

يصف نقيب الجراحين الأمريكيين عام 1979 السيجارة وأضرارها بقوله (السيجارة معمل كيماوي فريد من نوعه ينتج أكثر من 2000 مادة كيماوية معروفة ).

والتبغ عبارة عن نبات أمريكي الأصل ، وجد كولومبس هنود أمريكا يدخنونه، كما لا تزال تستخدم أوراقه العريضة للتدخين والمضغ والسعوط، جوهره الفعال المادة شبه القلوية السامة المعروفة بالنيكوتين إلى جانب مادة أخرى لاشك أن احتراقها مع التبغ له أثر فسيولوجي وهي الورق الأسطواني الذي يعبأ به التبغ في لفائف ( سجاير ) .

أسباب التدخين :

التدخين عادة لها مسبباتها تتكرر تبعاً لأوقات خاصة وأماكن معينة ونلاحظ أن معظم هذه الأسباب ترجع إلى أسباب نفسية ، اجتماعية أو عبارة عن اعتقادات وأفكار خاطئة عن التدخين والأثر الإيجابي الذي يتركه في المدخن ، لهذا اعتقد أنه إذا كانت أسباب لجوء الفرد إلى عادة التدخين في معظمها أسباب ذات علاقة بنفسية الفرد وبأفكاره ، فمن المؤكد جداً ( حسب وجهة نظري ) أنه توجد علاقة بين المدخن وحالته النفسية التي تنعكس سلباً على صحته النفسية ؟

ومن أهم الأسباب :

1- التقليد وخاصة تقليد الأطفال لآبائهم ، فالطفل يعتبر والده قدوة له ولهذا يحاول أن يقلد كل تصرفاته وسلوكه .
2- حب الاطلاع والتجربة وحب تأكيد الذات .
3- مسايرة الرفاق أو الشلة التي ينتمي إليها الفرد .
4- أفكار واعتقادات خاطئة عن التدخين منها :
أ- الشعور بالارتياح ونسيان الهموم .
ب- يساعد على حل المشكلات والتفكير السليم وأداء العمليات والمهام العقلية .
ج- يشحذ الذهن ويعمل على تركيز الانتباه ، وهو من مظاهر الرجولة .
5- إباحة التدخين وسهولة الحصول عليه .
6- تعود اجتماعي وتبادل علاقات ودية حيث أن الكثير من المدخنين يقرون أن أول تعاطي للتدخين كان بسبب قبول دعوة (عزومة) من صديق .
7- الهروب من المشاكل والضغوط النفسية والأزمات والمصائب التي يتعرض لها الفرد.

مظاهر الصحة النفسية والتدخين :

يؤكد الأطباء النفسيون أن المدخن في العادة يكون شخصية عصبية لا تتحمل المسئولية ، ولا تستطيع أن تركز لفترات طويلة وتعجز عن العمل لفترات متواصلة، فهو يحس بالانهاك والتعب والإجهاد من أقل مجهود والأهم من ذلك أن هذه الشخصية تعاني العصبية والتوتر الدائم .

وقد أصبح من المؤكد أن التدخين يقع في خانة الإدمان فيعاني المدخن ذات أعراض الانسحاب التي يعانيها متعاطي المخدرات والكحوليات إذ أنه حينما يتوقف ساعات عن التدخين يشعر بالتعب والتوتر والأعياء والعصبية وذلك نتيجة لتعود كيميائيات معينة في المخ على نسبة عالية من النيكوتين وحينما تقل هذه النسبة يشعر المدخن بصعوبة في التركيز ويعاني سرعة الانفعالات فتزيد إفرازات العرق لديه ويكثر لعابه ويشعر بالدوار ، وكل تلك الأعراض الجسدية تقابلها أعراض نفسية عديدة منها الإحساس بالتوتر والقلق والاكتئاب ،

وتتوقف أعراض الانسحاب هذه بعدما يشعل المدخن سجارته الأولى إذ أنه يشعر بالراحة مع نفخ دخانها ولكن ذلك يستمر خلال فترة الدخان الأولى، وتعود مرة أخرى ذات الأعراض ويعيد من جديد إشعال سيجارة أخرى وهكذا.

بالرغم من كل الصيحات التي يطلقها أطباء العالم ورغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية من أضرار التدخين ، إلا أن المعدل يتزايد في العالم أجمع ومن المؤسف أنه ينتشر بسرعة جنونية بين الأوساط الشبابية والمراهقين ( ظاهرة التدخين المبكر) وهي ظاهرة تحمل معها علاوة على الأمراض الصحية عادات مخيفة وأمراض نفسية عديدة .

ليس معنى الراحة النفسية أن لا يصادف الفرد أي عقبات أو موانع تقف في طريق إشباع حاجاته المختلفة وفي تحقيق أهدافه في الحياة ، فكثيراً ما يصادف مثل هذه العقبات في حياته اليومية .

إنما الشخص المتمتع بالصحة النفسية هو الذي يستطيع مواجهة هذه العقبات وحل المشكلات بطريقة ترضي نفسه

إن اللجوء للتدخين لمواجهة هذه المشاكل والضغوط تفكير غير عقلاني وأسلوب غير صحيح لمواجهة المشاكل واعتقد أنه يدل على ضعف في الشخصية، وأسلوب خاطئ يرجع إلى القصور في التنشئة الاجتماعية ، وسوء توافق مع البيئة.

من سمات الفرد المتمتع بالصحة النفسية قدرته على الصمود حيال الأزمات والشدائد وضروب الإحباط المختلفة دون أن يختل ميزانه ويشوه تفكيره ودون أن يلجأ إلى أساليب ملتوية غير ملائمة لحل أزمته ، وذلك بالانسحاب أو الهروب أو اللجؤ إلى اعتقادات خاطئة كالتدخين .

كذلك من مظاهر الصحة النفسية الاتزان الانفعالي ، حيث أن الفرد يجب أن يتمكن من السيطرة على انفعالاته المختلفة والتعبير عنها بحسب ما تقتضيه الضرورة ، وبشكل يتناسب مع المواقف التي تستدعي هذه الانفعالات ولا يفقد صوابه.

حيث أكدت دراسة أمريكية أن الذين يدخنون بمعدل عشرين سيجارة يومياً تكون احتمالات الطلاق لديهم أعلى بمعدل 53% عن غير المدخنين ، وأرجعت الدراسة ذلك إلى أن الشخصية المدخنة تكون في العادة عصبية ، عدوانية ، وتميل إلى القلق والنرفزة والتوتر فلا تستطيع تناول وحل المشاكل بهدوء وروية .

وتأتي هذه الدراسة لتؤكد نتائج دراسات سابقة أجريت في عام 1997 حيث أشارت إلى أن الطلاق الذي سببه الرجال نسبته أعلى من الذي سببه النساء وأرجعت الدراسات ذلك إلى انتشار ظاهرة التدخين بشكل أوسع لدى الرجال .

ومن مظاهر الصحة النفسية القدرة على التحكم في الرغبات والتنازل عن لذات قريبة عاجلة في ثواب آجل أبعد أثراً واكثر دواماً ، وكذلك في القدرة على إدراك عواقب الأمور ، وإن يستحضر في ذهنه جميع النتائج التي يحتمل أن تترتب عليها أفعاله في المستقبل .

والمدخن لا يدرك عاقبة التدخين إلا متأخراً ولهذا نجد أن المدخن يترك التدخين ( في الغالب ) إذا حدث له مرض وأخبره طبيبه بأنه يجب عليه ترك التدخين إذا أراد الشفاء .

ومن خلال العرض السابق اتضحت العلاقة بين التدخين والصحة النفسية والآثار التي تلحق بنفسية الفرد وسلوكه من جراء الإدمان على التدخين ، وانه أسلوب سيئ للتوافق مع البيئة وطريقة مدمرة لصحة الإنسان للتغلب على المشاكل والأزمات التي يتعرض لها الفرد ومن المعروف أن التدخين إضافة إلى آثاره على الصحة النفسية للفرد يسبب العديد من الأمراض مثل الذبحة الصدرية وسرطان الرئة وعجز القلب وقرحة المعدة ، بالإضافة إلى الأضرار التي تصيب جميع أجهزة الجسم